المذاهب الفقهية

الإباضية [1] (حضارة، عقيدة، فقه، مذاهب) بكسر الهمزة أو فتحها، ويقول القطب اطفيَّش « الإباضيَّة بكسر الهمزة على أنه الأصحُّ». تسمية اصطلاحية تُطلق على أتباع الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي (ت: 93هـ/ 711م)، في العقيدة والفقه والحضارة، جاء في معجم أعلام الإباضيَّة (قسم المغرب)، «... عُرف أتباع (الإباضيَّة) في التاريخ منذ صدر الإسلام، وكانت جماعتهم تُسمى أهل الحق وتُسمى أهل الدعوة وأهل الاستقامة، ولم تختر لنفسها اسم الإباضيَّة، بل دعاها به غيرها، نسبة إلى عبد الله بن إباض، ثمَّ قبلته نزولا على الأمر الواقع، فكان الإباضيَّة يَنسبون أنفسهم إلى الفكرة لا إلى زعيم أو إمام [...] ويعتقد الإباضيَّة أن منهجهم هو الفهم الصحيح للإسلام كما أوضحته مصادره الأساسية من الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين». و الإباضيَّة مذهب إسلامي أصيل، تصدّر المذاهب الإسلامية في نشأته، وكان ذلك على يد الإمام التابعي جابر بن زيد، ولكنّه يُنسب إلى عبد الله بن إباض بن تيم اللات بن ثعلبة التميمي المقاعسي المري (ت: 86هـ / 705م) نسبة غير قياسية، وإنما بسبب ما اشتهر به ابن إباض من مراسلات سياسية دينية، مع الخليفة عبد الملك بن مروان، ونقده لأسلوب الحكم الأموي، الذي ابتعد عن نهج الخلفاء الراشدين، ودعوته الحكام الأمويين للعودة إلى سيرة الرسول  وخلفائه الراشدين من بعده أو اعتزال أمر المسلمين. كما عُرف بمواقفه الحازمة ومواجهته الصارمة لانحراف الخوارج عن الفهم السليم لأحكام الإسلام. وظهر عند الناس بمظهر الزعيم؛ فعُرف أصحابه بأتباع ابن إباض أو الإباضيَّة. وغدت بذلك هذه التسمية، نسبة اصطلاحية يُعرف بها أتباع الإمام جابر بن زيد، الذي يُمثل أسَّ مذهبهم في العلم، وهو ما اتفقت عليه المصادر الإباضيَّة. إن مخالفة عبد الله بن إباض لنافع بن الأزرق عام 64هـ/ 683م لا تعني أنّه رسم بفعله ذلك منهج الإباضيَّة، لأن دوره هنا وفي كل مواقفه، إنما هو إبراز الرأي لا إنشاؤه، فالرأي رأي جابر إمام المذهب، هو المنشئ له؛ وعبد الله بن إباض هو المنفِّذ المبرز لذلك الرأي. إن مسألة إمامة جابر بن زيد للإباضية، والذين تزخر كتبهم بآرائه الفقهية والسياسية، لم تعد قابلة للأخذ والرد نظرا لتضافر الأدلة القوية على صحتها وهو ما أكدته الدراسات الأكاديمية. لم يكن أتباع جابر بن زيد يستعملون مصطلح الإباضيَّة على الأقل في القرنين الأول والثاني، وإن تداوله مخالفوهم وأصبح تسمية مشهورة، التصقت بهم، بحيث لم يستطيعوا دفعها، يقول السالمي: إنّ المخالفين قد سمـونا بذاك غير أننا رضيـنا وأصـله أن فتى إبـاض كان محاميا لنا ومـاض مدافعا أعـداءنا بالحجة وحاميا إخواننا بالشوكة يبدو أنَّ بدايات استعمال أتباع جابر بن زيد للفظ " الإباضيَّة " كان مع نهايات القرن 3هـ/ 9م، وذلك عند عمروس بن فتح النفوسي (ت: 283هـ/ 896م) في كتابه الدينونة الصافية، ثم في كتاب الجامع للكُدَمي (ق4هـ/ 10م)، وكتاب الموازنة لابن بركة (ق4هـ/ 10م). وخلف أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي جابرَ بن زيد في إمامة المذهب، فكان العامل على نشر الإباضيَّة في المشرق والمغرب، انطلاقا من البصرة في العراق إلى عُمان بحدودها السياسية القديمة التي تصل إلى البحرين شمالا، وإلى سوقطرة جنوبا. ووُجدت الإباضيَّة في اليمن وفي خراسان. وأسهمت التجارة العُمانية في إيصال الإسلام إلى بلاد الهند وماليزيا والصين، وإلى بعض الجمهوريات الإسلامية المحاذية لروسيا الاتحادية حاليا، وإلى مناطق واسعة من إفريقيا الشرقية، بخاصة كينيا وتنزانيا ومدغشقر وجزيرة زنجبار. انتقل المذهب الإباضي مع حملة العلم إلى بلاد المغرب، واعتنقه البربر في شمال إفريقيا: ليبيا، وتونس، والجزائر. ومنها انتقل إلى مصر والأندلس وبلاد السودان الغربي، كالسينغال ومالي والنيجر وتشاد وغانا. تستند الإباضية في منهجها المعرفي إلى المصادر المتفق عليها بين المسلمين: الكتاب والسنة والاجتهاد بأوسع معانيه. واتسمت هذه المنهجية بالاعتدال بين التزام النص وإعمال الرأي والتعليل، وباعتماد الدليل الشرعي في كل الأحوال. ولمَّا عرفت الإباضية بيئات عديدة، ومجتمعات متباينة، واعتنقتها أجناس مختلفة، كان ذلك عاملاً أسهم في ثراء فقهها وبروزها الحضاري. مرت الإباضيَّة بمراحل ومحطات عديدة أهمها: أوّلا: مرحلة التأسيس في القرن الأول وبداية الثاني، وتشمل مرحلة البصرة وانتشار المذهب على يد حملة العلم في المشرق والمغرب. ثانيا: مرحلة إقامة الإمامات في القرن 2هـ/ 8م، كإمامة طالب الحق باليمن، والإمامة الأولى والثانية في عُمان، التي استمرت إلى القرن 14هـ القرن 20م، وإمامة الرستميين في بلاد المغرب في القرنين 2 و3هـ/ 8 و9م. ثالثا: مرحلة الأزمات والمواجهات مع أنظمة حاولت إزالة دولة الإباضيَّة، كالفاطميين في بلاد المغرب، والعباسيين والبويهيين في بلاد المشرق، وكلها كانت في القرن 3هـ/ 9م. وتحقق للفاطميين إسقاط الرستميين، الأمر الذي لم يتحقق للعباسيين في شأن الإمامة بعُمان. إلا أن الإباضيَّة هناك دخلت في أزمة ازدواجية السلطة، بحيث عاشت عُمان تحت سلطة الإمامة في شق من جغرافيتها، وعرف الشق الآخر نظام الملك المتوارث، تحت أسرة النباهنة أوّلا، ثمَّ أسرة البوسعيديين التي أقامت سلطنة قوية بداية من القرن 12هـ/ 18م. رابعا: مرحلة التجمُّعات في بلاد المغرب: انتقل الإباضيَّة إلى تجمعات تحت سلطة هيئة من المشايخ، أطلقوا عليها تسمية العزَّابة، أشرفت على المجتمع في كل جوانبه الدينية والاجتماعية والسياسية إلى اليوم. وبقي العلماء يشرفون بشكل مباشر على المجتمع الإباضي مشرقًا تحت نظام الإمامة ثم السلطنة، ومغربًا تحت نظام العزَّابة. من أبرز علماء الإباضيَّة بالمشرق الإسلامي بعد إمامها جابر بن زيد وتلميذه الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، الربيع بن حبيب الفراهيدي (ق2هـ/8م)، ومحمد بن محبوب في (ق3هـ/9م)، ومحمد بن سعيد الكدمي (ق4هـ/10م)، ومحمد بن بركة البهلوي (ق4هـ/10م)، وسلمة بن مسلم العوتبي (ق6هـ/11م)، وأحمد بن عبد الله الكندي (ق6هـ/12م)، ومحمد بن إبراهيم الكندي (ق6هـ/12م)، والإمام عبد الله بن حميد السالمي (ت: 1332هـ/ 1914م). أما في المغرب الإسلامي فمن علمائهم: الإمامان عبد الوهاب بن عبد الرحمن، وابنه أفلح (ق2-3هـ/8-9م)، وأبو عبد الله محمد بن بكر النفوسي، مؤسس نظام الحلقة (ت: 440هـ/1049م)، وأبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، ومعاصره أبو عمار عبد الكافي (ق6هـ/ 12م)، وأبو ساكن عامر بن علي الشمَّاخي (ت: 792هـ/1389م)، وعبد العزيز بن إبراهيم الثميني (ت: 1223هـ/1808م)، وامحمد بن يوسف اطفيَّش (ت: 1332هـ/1914م)، وأبو إسحاق إبراهيم اطفيَّش، وإبراهيم بن عيسى أبو اليقظان، وسليمان بن عبد الله الباروني، وإبراهيم بن عمر بيُّوض، وعلي يحيى معمَّر. لقد أسهم الإباضيَّة بتراثهم المكتوب في الفكر الإسلامي، وفي الفكر السياسي ببناء كيانات الإمامة، وتطبيق السياسة الشرعية المقتفية آثار الخلفاء الراشدين، ولهم دور بارز في نشر الإسلام وحضارته وذلك في حقول التجارة، والعمران والري، والنظم الاجتماعية والتربوية. المصادر: • ابن قتيبة: كتاب المعارف، 2/275. • الكدمي: الاستقامة، 1/108-109. • ابن رستة: الأعلاق النفسية، 217. • الكندي محمد: بيان الشرع، 3/135، 208. • ابن خلفون: أجوبة، 9. • القلهاتي: الكشف والبيان، 471. • الدرجيني: طبقات المشايخ، 1/11؛ 2/14. • البرادي: الجواهر المنتقاة، 155-157. • البرادي: شفاء الحائم، (مخ)، 4. • الشمَّاخي أحمد: السير، 77، 103. • التلاتي عمرو: اللآلئ المنظومات، 93. • البوسعيدي مهنا: لباب الآثار، 1/266. • اطفيَّش القطب: شرح النيل، 14/745. الإمكان فيما يجوز أن يكون أو كان، 113. إن لم تعرف الإباضيَّة، كلُّه. • السالمي نور الدين: تحفة الأعيان، 1/ 64- 70. مشارق أنوار العقول، صفحة ذ. • الرواحي أبو مسلم: نثار الجوهر، 1/581. • السالمي أبو بشير محمَّد: نهضة الأعيان، 1، 6، 127. • أعزام إبراهيم: غصن البان، (مخ)، 26-27. • طلاَّي إبراهيم: مزاب بلد كفاح، 33. • النامي عمرو: دراسات عن الإباضيَّة، 46. • معمر علي يحيى: الإباضيَّة في موكب التاريخ، ح1 (النشأة)، 5. الإباضيَّة بين الفرق الإسلاميَّة، 388. • الجعبيري: نظام العزَّابة، 18. • السيابي سالم: إزالة الوعثاء، 75. • مهدي طالب هاشم: الحركة الإباضيَّة، 45. • الصوافي صالح: الإمام جابر بن زيد، 196. • بكلِّي عبد الرحمن: فتاوى البكري، 1/357. • خليفات: نشأة الحركة الإباضيَّة، 74-75، 81-87، 92، 97. الأصول التاريخيَّة، 5، 9. التنظيمات السياسيَّة، 5. • الشيخ بالحاج محمد: وأن هذه أمتكم أمَّة واحدة، 28، 29. • بكُّوش يحيى: التواجد الإباضي في الأندلس، كله. • جهلان عدُّون: الفكر السياسي عند الإباضيَّة، 28، 32- 35. • أُعوشت بكير: حركة أهل الدعوة، 8-9. • الحاج سعيد يوسف: تاريخ بني مزاب، 25-26. • بحَّاز إبراهيم: الدولة الرستميَّة، 73-74، 75. الميزابيون المعتزلة، (مقال)، 131. • عامر بن علي: عُمان قبل وبعد الإسلام، 31. • السابعي ناصر: الخوارج والحقيقة الغائبة، 184 (هامش). • واعلي بكير: الإمامة عند الإباضيَّة، 1/50-52. • ابن ادريسو مصطفى: الفكر العقدي عند الإباضيَّة، 64. • باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضيَّة، 89. • سامي صقر: الإمام جابر، كله. • اسماوي صالح: العزَّابة ودورهم، 1/77-85، 92. • المدني أحمد توفيق: مدخل لدراسة الدولة الرستمية، (محاضرة)، 4. • الجعبيري: تحليل رسائل الإمام جابر، (محاضرة)، 67 وما بعدها. • الهنائي عبد الملك: قراءة في الاقتصاد السياسي، (محاضرة)، 161 وما بعدها. • دائرة المعارف الإسلامية: مادة: إباضية، خوارج. • بحَّاز إبراهيم: مشوِّهات الإباضيَّة، (محاضرة)، 173 وما بعدها. • جمعيَّة التراث: معجم أعلام الإباضيَّة، قسم المغرب، 1/ ش، ت (المقدمة). • Encyclopédie de L'islam: Matière: Ibadia, Halka. • Lewicki. T, Etude Ibadite, p 669. • Cuperly Pierre : Introduction.